الكسكس المغربي أصوله وتاريخه

 


يُعتبر الكسكس واحدًا من أقدم الأطباق التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا، وهو طبق ارتبط بثقافات مختلفة، ولكنه يحمل طابعًا مغربيًا 

خاصًا يجعله رمزًا للهوية المغربية. على مر التاريخ، كان الكسكس أكثر من مجرد وجبة غذائية؛ فقد كان ولا يزال جزءًا من العادات 

الاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي.

أصل الكسكس

الأمازيغ أسياد الكسكس

تعود أصول الكسكس إلى العصور القديمة، وتحديدًا إلى الحضارة الأمازيغية في شمال إفريقيا. تشير الدراسات الأثرية إلى أن الكسكس 

كان يُحضَّر منذ أكثر من ألفي عام، حيث تم العثور على أدوات طهي تشبه "الكسكاس" (القدر المستخدم لتحضير الكسكس) في مواقع 

أثرية تعود إلى الحقبة الأمازيغية.

مع توسع الحضارة الأمازيغية، انتشر الكسكس كطبق رئيسي بين القبائل، وأصبح يُحضَّر باستخدام سميد القمح أوالشعير أو الذرة أو 

هي معا، وهي المحاصيل التي كانت تزرع في المنطقة بشكل رئيسي.


الكسكس في التاريخ الإسلامي

مع دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا في القرن السابع الميلادي، تأثر الكسكس بالعادات والتقاليد الإسلامية. أصبح يُحضَّر بشكل أكبر في 

المناسبات الدينية والاجتماعية، مثل الأعياد والاحتفالات. وذُكر الكسكس في بعض الكتب التاريخية خلال العصر الأندلسي، حيث كان 

يُعتبر طبقًا فاخرًا يُقدم في الولائم الملكية.

في المغرب، استمر الكسكس في التطور، حيث أضاف المغاربة نكهاتهم الخاصة باستخدام التوابل والخضروات المحلية، ليصبح طبقًا 

متكاملاً يجمع بين الطعم الغني والقيمة الغذائية العالية.

رمزية الكسكس في المغرب

الكسكس ليس مجرد طبق في الثقافة المغربية، بل هو رمز للتقاليد العائلية والاجتماعية. يُعتبر تحضيره وتقديمه في المناسبات الجماعية علامة على الكرم والوحدة.

في يوم الجمعة، يُقدم الكسكس بعد صلاة الجماعة كوجبة عائلية تُعزز الروابط الأسرية.

في الأعراس والمناسبات الكبرى، يُعتبر الكسكس جزءًا لا غنى عنه من قائمة الطعام.

يُستخدم أيضًا كرمز للضيافة، حيث يُقدم للضيوف في أجواء احتفالية.

مكونات الكسكس المغربي

يتكون الكسكس من مكونات طبيعية وصحية، تجمع بين الحبوب والخضروات واللحوم. المكونات الأساسية تشمل:

الكسكس: حبوب السميد التي تُطهى بالبخار.

الخضروات: مثل الجزر، الكوسا، البطاطس، اليقطين، والطماطم.

البقوليات: كالحمص، الذي يُضاف ليعزز النكهة والقيمة الغذائية.

اللحوم: إما لحم الغنم أو الماعز أو الدجاج،  لكن يمكن تحضيره كذلك بلحم البقر أو حتى السمك.ويمكن تحضيره بدون لحوم كنسخة 

نباتية.

التوابل: مثل الزعفران، الزنجبيل، الكركم، والقرفة، التي تضفي طابعًا مغربيًا مميزًا. كما تتم إضافة بعض عناقيد الفلفل الحار لمن 

يفضلها.

خطوات تحضير الكسكس المغربي

1. إعداد الكسكس بالبخار

يتم وضع الكسكس في وعاء كبير ويُرَش بالماء والملح، ثم يُفرك بلطف حتى يصبح الحبوب منفصلة.

يُوضع الكسكس في الجزء العلوي من القدر الخاص "الكسكاس"، ويُطهى بالبخار الناتج من القدر السفلي الذي يحتوي على الماء المغلي.

يتم تكرار العملية ثلاث مرات، وفي كل مرة يُرَش بالماء ويُضاف قليل من الزيت أو الزبدة لتجنب التصاق الحبوب.

2. تحضير المرق

في قدر سفلي، تُقلَّى قطع اللحم مع البصل المفروم والزيت حتى تأخذ لونًا ذهبيًا.

تُضاف التوابل والحمص والطماطم المهروسة، ثم تُغطى بالماء وتُترك لتغلي.

بعد الغليان، تُضاف الخضروات بالتدريج حسب مدة طهي كل نوع، لضمان نضجها المثالي.

3. تقديم الكسكس

يُرتب الكسكس المطهو في طبق تقديم كبير يسمى في المغرب بالقصعة أو القصرية ، حيث تُشكل حفرة صغيرة في الوسط.

يُسكب المرق مع اللحم والخضروات فوق الكسكس.

يُزين الطبق بالخضروات ولحم الغنم، ويُقدم ساخنًا.

أصناف الكسكس المغربي

الكسكس المغربي ليس مجرد وصفة واحدة، بل له أنواع عديدة تُحضر حسب المنطقة والمناسبة:

كسكس السبع خضار: يُحضر بتنوع كبير في الخضروات.

كسكس بالحليب والزبدة: يُعد في بعض المناطق الصحراوية كطبق خاص.

الكسكس النباتي: يُقدم للأشخاص الذين يفضلون الأطباق الخالية من اللحوم.

كسكس الفواكه الجافة: يُحضر بالفواكه المجففة والمكسرات، وغالبًا ما يكون حلو المذاق.

انتشار الكسكس عالميًا

خلال القرن العشرين، ومع الهجرة من شمال إفريقيا إلى أوروبا وأماكن أخرى، أصبح الكسكس معروفًا عالميًا. يُعتبر اليوم واحدًا من 

أشهر الأطباق العالمية، وتتبناه مطابخ عديدة مع تعديلات تناسب ثقافات مختلفة. ومع ذلك، يظل الكسكس المغربي التقليدي محتفظًا 

بمكانته كأصل لهذا الطبق الشهير.

الكسكس في التراث الثقافي الإنساني

في عام 2020، أدرجت منظمة اليونسكو الكسكس ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، باعتباره جزءًا من الثقافة المغاربية

 المشتركة، مع التأكيد على دور المغرب في الحفاظ على هذا الطبق وتطويره.

الكسكس المغربي هو أكثر من مجرد وجبة؛ إنه تراث ثقافي يعبر عن التاريخ العريق والهوية المغربية. تطور الطبق على مر العصور 

ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الاجتماعية والدينية للمغرب، وما زال يحمل مكانة خاصة في قلوب المغاربة وحتى على المائدة 

العالمية.


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق